العمالة الفلسطينة في "إسرائيل" وتجارة التصاريح!! | سمارت إندكس

أخبار

معلومات اقتصادية

العمالة الفلسطينة في "إسرائيل" وتجارة التصاريح!!



متابعة - سمارت إندكس

نشرَ موقع "تايمز أوف إسرائيل"، منتصف تشرين الأول/أكتوبر الماضي، تقريرً يسلّطُ الضوءَ على "تجارة"تصاريح العمل "الإسرائيليّة" الممنوحة للفلسطينيين في الضفة الغربية المحتلة، ويعتبر هذا التقرير الثاني حول الأمر، فقد بثت قناة "حدشوت" الإخباريّة العبرية، تقريرًا آخر في وقتٍ سابق.

يُبيّن التقرير وجود "سوقٍ سوداء" لهذه التصاريح يديرها أرباب عمل "إسرائيليين" بالتعاون مع "سماسرة" فلسطينيين في الضفة الغربية المحتلة، يقومون بمهمة بيع التصاريح للعمال الفلسطينيين في الضفة، والذين يسعون للحصول عليها، بهدف العمل في المستوطنات وداخل الأراضي المحتلة.

رشاوي وابتزاز

ووفقًا للتقرير، فإنّ أرباب العمل "الإسرايليين" يحقّقون مع السماسرة الفلسطينيين، مداخيل بآلاف الشواكل شهريًا من عمليات بيع تصاريح العمل في "السوق السوداء"؛ إذ أن العمال الفلسطينيين في الضفة الغربية يتوجب عليهم الحصول على تصاريح عمل صادرة من سلطات الاحتلال حتى يتمكنوا من العمل "بطريقة مشروعة" داخل الأراضي المحتلة.

ويكشف التقرير أن تصريح العمل يتم منحه للعامل الفلسطيني مقابل "رشاوي" شهرية تبلغ قيمتها 2500 شيكل، أي ما يعادل 688 دولار أمريكي، وأن هذا الرشاوي الشهرية يتم دفعها من خلال "سماسرة" فلسطينيين.

كيف يتم ذلك؟

وفقاً للقانون "الإسرائيلي"، يجب على المشغّلين "الإسرائيليين" الذين يرغبون في تشغيل "عمال أجانب" بمن فيهم الفلسطينيين، تقديم طلب للسلطات الرسمية لدى الاحتلال لاستصدار تصاريح عمل للعمّال. وتقوم "سلطة السكان والهجرة" العبرية والتي أنشئت سنة 2008 كوحدة ملحقة تابعة لوزارة الداخلية العبرية بمهمة إصدار التصاريح وتمديد مدّتها.

المشغّلون "الإسرائيليّون" يتقدمون بطلبات للحصول على تصاريح عمل تفيض عن احتياجاتهم الحقيقية؛ ليتمكنوا من بيعها في "السوق السوداء" وتحصيل مداخل مادية شهرية على شكل "أتاوات ورشاوي" يدفعها العمّال من خلال "سماسرة" ووسطاء فلسطينيين بالضفة الغربيّة.

وإمعانًا في "امتصاص" دماء الفلسطيني، يكشف التقرير أن المشغّلين "الإسرائيليين" يقومون بإلغاء هذه التصاريح كل ستة أشهر-أي إقالة العامل-، للتهرب من أية استحقاقاتٍ قانونيّة للعامل الفلسطيني، مثل دفع تعويضات الإقالة وتأمينات التقاعد وغيرها من الحقوق الواجبة للعمال، وفقًا لقانون العمل في كيان الاحتلال، ومن ثم تعود عجلة "الابتزاز" للدوران من جديد.

وفي ذات الشأن، ذكرت منظمة العمل الدولية، في تقرير لها عام 2017 حول (وضع عمال الأراضي العربية المحتلة)، "أن كثير من العمال الفلسطينيين في الاقتصاد الإسرائيلي والذين يربو عددهم عن 100 ألف عامل يواجه محن واستغلال، ولا سيَّما على يد سماسرة عديمي الضمير يجنون أرباحاً ضخمة غير مستحقة من مطابقة الفلسطينيين الباحثين عن عمل مع أصحاب العمل الإسرائيليين". ووفقًا للتقرير الأممي فان إجمالي ما دفعه العمال الفلسطينيون للسماسرة عام 2016، بينما يقدر بـ380 مليون دولار، وهو ما نسبته 17 بالمائة من إجمالي الأجور التي تقاضاها العمال في "إسرائيل".

أرقام واحصائيات

يذكر التقرير العبري أنّ 58 ألف فلسطيني لديهم تصاريح عمل "إسرايلية"، لكنّ تقديراتٍ أخرى تفيد أن حوالي 120 ألف فلسطيني من الضفة الغربية يعملون فعليًا -بشكل قانوني وغير قانوني- لدى أصحاب العمل.

ووفقا لأحدث بيانات مسح القوى العاملة الصادر عن الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني يتبين لنا أن عدد الفلسطينيين العاملين في الأراضي المحتلة، ومستوطناتها بلغ 121 الف عامل، وذلك حتى نهاية شهر 3/مارس 2018، أي عند نهاية الربع الاول من هذا العام، وهو ما يمثل حوالي 15% من اجمالي عدد المشاركين في القوى العاملة في الضفة الغربية، البالغ تعدادهم حوالي 821 ألف شخص.

وصعدت هذه العمالة بنحو 4 الاف عامل خلال الثلاثة أشهر اللاحقة، ليصبح الاجمالي حوالي 125 ألف عامل حتى نهاية شهر 6/حزيران من العام الجاري. تبعها زيادة أخرى بنحو 6 ألاف عامل ليصل هذا الاجمالي لقرابة 131 ألف عامل مع نهاية الشهر التاسع، دورة تموز/أيلول 2018.

وشهد العام 2017 حوالي 118 ألف عامل في الأراضي المحتلة ومستوطناتها، وعليه يمكننا الاستنتاج بأن سلطات الاحتلال منحت الفلسطينيين خلال  أول 9 شهور فقط من هذا العام ما مجموعه 13 ألف تصريح اضافي بالمقارنة مع العام 2017، وهذا يعني زيادة بنسبة 11%.

وبلغ عدد العاملين الفلسطينيين في الأراضي المحتلة، حسب حيازتهم للتصريح حتى شهر 9/سبتمبر 2018، نحو 72 ألف عامل لديهم تصاريح عمل، و 43 ألف بدون، ونحو 16 ألف عامل يحملون وثيقة "إسرائيلية" (الهوية الزرقاء) أو جواز سفر أجنبي. كما بلغ عدد العاملين في المستوطنات 23 ألف عامل، مقارنة بـ 20 ألف عامل حتى شهر 3/مارس 2018.

من جهة ثانية، فان تقديرات أخرى تشير إلى أن عدد العمالة الفلسطينية في الأراضي المحتلة والمستوطنات يفوق 200 ألف فرد، مع وجود عمالة غير منظمة تعمل بنظام المياومة أو وفق الطلب.

ويسجل قطاع البناء والتشييد أعلى نسبة تشغيل في كيان الاحتلال والمستوطنات، اذ يستوعب هذا القطاع  65.0% من اجمالي العمالة الفلسطينيين. ويبلغ معدل الأجر اليومي للعامل 243.7 شيقلاً في الربع الاول 2018، أي ما يعادل 65 دولار أمريكي.

ماذا يعني ذلك؟

يمكننا القول بأن الارتفاع الملحوظ في عدد الفلسطينيين العاملين في الأراضي المحتلة ومستوطناتها يأتي منسجما مع ما تسميه سلطات الاحتلال بـ "السلام الاقتصادي" مع الفلسطينيين، وهو في حقيقة الأمر سياسة صهيونيّة ذات بعد أمني استراتيجي بالمعنى الشامل؛ ذلك أن زيادة عدد التصاريح يتم بناء على توصيات تقدمها قيادة جيش الاحتلال للمستوى السياسي في "تل أبيب".

وزعم تقرير "تايمز أوف إسرائيل" أن المشغّلين "الإسرائيليين" يقومون "بخداع" سلطات الاحتلال من خلال تضخيم حاجتهم لعدد التصاريح. لكن، هل فعلًا تسير الأمور بهذه السذاجة ومن خلف ظهر أجهزة الأمن واستخبارات الاحتلال؟ وكيف لنا تفسير التناقض بين انسحاب الاحتلال من غزة والاستغناء عن عمالها وفصل القطاع عن باقي الأراضي الفلسطينية فيما يترافق ذلك مع مصادرة المزيد من أراضي الضفة و القدس المحتلتيْن، واستيعاب المزيد من سكّانهما كأيدي عاملة في سوق العمل العبريّة؟

السيطرة الناعمة و الترويض

الرؤية "الإسرائيلية" في موضوع العمالة الفلسطينية تتمحور حول انتاج واقع يجد فيه الفلسطيني نفسه متضررًا من انخراطه الطبيعي في الفعل الكفاحي المقاوم لهذا الاحتلال، أو على الأقل لا يكون الخلاص من الاحتلال أولية فردية وجماعية بالنسبة لقطاع عريض من شعبنا.

ويجري تخليق هذا الواقع وتعزيزه، ضمن أشياء أخرى، من خلال منح تصاريح عمل لمن يخلو سجلهم الشخصي من أي نشاط كفاحي ضد الاحتلال. فصار "المنع الأمني" هو عصا الاحتلال الغليظة التي يضرب بها بطون عشرات الالاف من الفقراء الفلسطينيين، وبالتالي نحن أمام منهج "ترويض وتدجين" وسياسة "رشوة جماعية" للفلسطينيين تستند الى الدخل المرتفع نسبيًا الذي يجنيه العمال من ناحية، وتتعزز عبر الاحتكاك اليومي بالمجتمع العبري والتعايش مع منظومته "القيمية" من ناحية أخرى.

في أيار/مايو عام 2012، نشر مركز "مسلك" الحقوقي في الأراضي المحتلة، ورقة موقف بعنوان (عمل الفلسطينيين في إسرائيل: الفرصة الضائعة والتصحيح الممكن)، تناولت تقريرًا للجنة حكومية صهيونيّة درست بشكل معمق موضوع عمل الفلسطينيين في الأراضي المحتلة. اللجنة ترأسها البروفيسور تسفي آكشتاين، الذي كان في حينه نائبا لمحافظ بنك "إسرائيل"المركزي، وشارك فيها مندوبون من وزارات الجيش، والداخلية، والعدل، والخارجية، والمالية، والامن الداخلي، والصناعة والتجارة والسياحة، والزراعة وسلطة المعابر.

يكشف المركز في ورقة الموقف: "قررت اللجنة أن تشغيل الفلسطينيين في إسرائيل يفيد على المستوى الأمني والسياسي، وهو أفضل من تشغيل عمال أجانب". ووفقا للمركز، فإنّ ممثلي "الأمن" في لجنة آكشتاين أقروا بعدم وجود علاقة "مثبتة" بين عمال فلسطينيون ذوو تصاريح عمل و "عمليات عدوانية"، بحسب التوصيف الصهيوني.

وحول لجنة آكشتاين أيضًا، نشرت صحيفة الحياة الجديدة، بتاريخ 14 آذار/مارس 2016، نقلا عن يديعوت، مقالا للكاتب سيفر بلوتسكر بعنوان (العمال الفلسطينيون في اسرائيل.. حكومة تفر من السياسة)، ويقول كاتبه: "إن منح امكانيات تشغيل للفلسطينيين في اسرائيل يحسن بالفعل على نحو واضح مستوى المعيشة الفلسطينية وعليه فانه يلطف ايضا من شدة الاحتلال ويثبط الدوافع للعمليات. ويمكن أن نرى ذلك في المعطيات الإحصائية. تكاد لا تكون هناك عمليات من العائلات التي تنال الرزق من العمل في إسرائيل".

واذا عدنا إلى رصد أرقام مسح القوى العاملة الفلسطينية، نستنتج أن حكومات الاحتلال اعتمدت توصيات لجنة آكشتاين، وهي توصيات جاءت في تقرير من 130 صفحة، فعام 2012 شهد نحو 83 ألف عامل في الأراضي المحتلة، وبالمقارنة مع وجود 131 ألف عامل مع نهاية شهر 9 لهذا العام 2018، نجد أن الزيادة في عدد العمال بلغت 48 ألف فرد، وهذا يعني زيادة بنسبة 58% خلال 6 سنوات!

ألا يعني ذلك أن منهج "الترويض والتدجين" وسياسة "الرشوة جماعية" المتبعة في الضفة الغربية تسير كما تشتهي سفن الاحتلال، ويساندها في ذلك سلطة فلسطينية بأجهزة أمنية وادارية مشوهة المنشأ والوظيفة والأداء؟

السلطة.. أكثر من شاهد ملك

على الرغم من كون تدفق العمالة الفلسطينية نحو السوق الاسرائيلي  سبق توقيع اتفاقية أوسلو بعقود، إلا أن هذه الاتفاقية الشاذة مأسست علاقة التبعية والاستغلال يفرضها الاحتلال. فجاء بروتوكـول العلاقـات الاقتصـادية -بروتوكـول بـاريس- كإطار ناظم للعلاقات التجارية والاقتصادية بين السلطة والاحتلال.

إنّ العقيدة السياسية والاقتصادية التي تأسست وفقا لاتفاق "أوسلو" وبروتوكلوها الاقتصادي، والتي تحكم أداء السلطة، لم ينتج منها سوى مزيد من الافقار وتراجع خطير للقطاعات الانتاجية، وتحديدًا الزراعة وما يرافق ذلك من هجرة هائلة للأرض، إذ نجد عشرات الآلاف أمام خيارات البطالة أو السوق "الإسرايلي" أو الهجرة! -( طالع التقرير النهائي لأعمال مؤتمر ماس الاقتصادي 2016" نحو رؤية جديدة للنهوض بالاقتصاد الفلسطيني").

يقول وكيل وزارة العمل الفسطينية، سامر سلامة في مقال بعنوان (العمل في إسرائيل وخيارات محاربة البطالة)، نشرته جريدة القدس، في شباط/فبراير 2017، إنّ "إسرائيل عملت بشكل ممنهج على تدمير اقتصادنا الوطني وتذويبه بالاقتصاد الإسرائيلي ليسهل عليها السيطرة الكاملة عليه واستخدام الاقتصاد كسلاح فعال في مواجهة الفلسطينيين وتقويض حركتهم النضالية للتحرر والاستقلال". ويضيف سلامة: "فمن خلال الاقتصاد استطاعت إسرائيل إفقار الشعب الفلسطيني من جانب أو جعله يعتمد اعتمادا كليا عليها".

إنّ اتساع وتعمق ظاهرة العمل في الأراضي المحتلة يعكس في أحد دلالته، غياب السلطة عن تقديم رؤية وخطة تضع هذه القضية في سياق مسيرة الكفاح التحرري الفلسطيني، وتجعل من العمالة الفلسطينية أداة رافعة لمساعي شعبنا في الانعتاق والتحرر وليس سلاحًا في يد "إسرائيل" تستخدمه بطريقة تعزز مصالحها وتخدم سياساتها الاحتلالية.

في الختام

إن أي حديث عن "منافع" اقتصادية للعمل في الأراضي المحتلة دون تناول القضية في إطار حركة التحرر والكفاح الفلسطيني، كما يفعل البنك الدولي وأطراف دوليّة أخرى، لن ينتج إلّا مزيدًا من "المفاسد" الوطنية، ولن يخدم إلّا شريحةً تعززت مصالحها وامتيازاتها المالية والتجارية وتوسعت تحالفاتها مع رأس المال الصهيوني؛ وعليه فإنّ قضية "العمل في "إسرايل"" يجب أن يتم تناولها وطنيًا في إطار رؤية شاملة تؤسّسُ على ضرورة التحلل من "مهلكة" اتفاق "أوسلو" وبناء اقتصاد مقاوم يحمل برنامجًا سياسيًا نضاليًا.


حسام عطا الله _ خاصّ بوابة الهدف

الأوسمة

نسخ الرابط:

error: المحتوى محمي , لفتح الرابط في تاب جديد الرجاء الضغط عليه مع زر CTRL أو COMMAND