كيف يتم الالتفاف على نظام المراقبة الإسرائيلي على التجارة مع الضفة | سمارت إندكس

أخبار

أخبار متنوعة

كيف يتم الالتفاف على نظام المراقبة الإسرائيلي على التجارة مع الضفة



رام الله - سمارت إندكس

أثناء التحضير لعملية السلام، عينت الحكومة الإسرائيلية فريقا من المختصين لاقتراح صيغة معينة للعلاقات الاقتصادية مع الفلسطينيين. ترأس هذا الفريق البروفيسور حاييم بن شاحار (Haim Ben-Shahar) الذي أوصى باستمرار الاندماج الاقتصادي والتبعية التجارية اللذين كانت إسرائيل قد فرضتهما قسرا على الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة منذ العام 1967؛ أي أن أي اتفاق مستقبلي "يجب ألا يشمل أي حدود اقتصادية" بين إسرائيل والمناطق الفلسطينية.
في العام 1994، تم توقيع بروتوكول باريس الاقتصادي لتنظيم العلاقات الاقتصادية بين مناطق الحكم الذاتي الفلسطيني وإسرائيل، والذي اقترح فيه الفريق الفلسطيني إنشاء نظام جمركي شبيه بمنطقة التجارة الحرة (Free Trade Area) الذي قد يسمح للسلطة الفلسطينية بوضع نظامها التجاري الخاص بها مع دول العالم وترسيم حدود اقتصادية.
بيد أن إسرائيل عارضت هذا المقترح بشدة، واستندت الى توصيات بن شاحار وأصرت على تطبيق نظام الوحدة الجمركية (custom union) دون ترسيم حدود فاصلة بين الطرفين.
لكن، منذ العام 1994 حصلت تغييرات هائلة على أرض الواقع أدت الى إحداث فجوة ما بين نصوص اتفاق باريس (De jure) وما بين التطبيق العملي للاتفاق (De facto)، خصوصا عندما قامت إسرائيل بوضع حدود فاصلة وبناء جدار عازل وفرض نظام سيطرة مكانية (Israeli spatial system of control)، الذي زاد من تكاليف النقل واللوجستيات وساهم في إحداث خسائر كبيرة للعديد من التجار الفلسطينيين.
بيد أن هذه الجغرافيا الاستعمارية التي خنقت الاقتصاد الفلسطيني، وأضرت بالطرق التجارية وحرية المرور، كانت في ذات الوقت مصدر دخل واسترباح لقسم آخر من التجار. مع أن هذا الكسب ليس وحيد الاتجاه، بل أيضا ينجم عنه كسب للتجار الإسرائيليين في المستوطنات، ولو لم تكن هناك مصلحة كسب في الطرف الآخر لما كان بهذا الشكل وبهذا الحجم.

التحدي الأساسي
انطوى اتفاق أوسلو (1993-1999) على ترسيم حدود إدارية (administrative borders) داخل أراضي الضفة الغربية والتي تفصل ما بين مناطق "أ" و"ب" و"ج"، بالإضافة الى القدس. لقد ركزت العديد من التقارير والدراسات السابقة على وجود فجوة ما بين نصوص اتفاقية باريس وما بين الواقع العملي الذي يفتح مجالات واسعة أمام العديد من اللاعبين الاقتصاديين في الطرفين للتحايل على الأنظمة والقانون، وبشكل خاص مسألة التهرب الضريبي، التسرب المالي، وتهريب السلع. بمعنى آخر، أجبرت سياسات الاحتلال المقيدة والنظام الضريبي الإسرائيلي المفروض بموجب اتفاق باريس الاقتصادي القطاع الخاص الفلسطيني على البحث باستمرار عن حلول لتسيير التجارة وتسيير مصالح الأعمال لديهم، وذلك بحكم البيئة العامة المشوهة والتي لا تشبه حالة عمل القطاع الخاص في دول أخرى، ما أنتج علاقات اقتصادية وترابطات تجارية مشوهة للاقتصاد الفلسطيني وضارة للأسواق والخزينة العامة. أثرت هذه الممارسات بشكل سلبي على الدخل العام لخزينة السلطة من خلال تقليص حجم المقاصة التي تحصلها السلطة الفلسطينية من إسرائيل، وأدت إلى خلق منافسة غير نزيهة ما بين التجار.
من جانب آخر، وفي أعقاب الانتفاضة الفلسطينية الثانية (2000-2004) فرضت إسرائيل نظاما حدوديا عازلا (segregating border regime)، بحيث إن هذه "الجغرافيا الاستعمارية" والتخطيط العمراني الإسرائيلي المصاحب لها حصرت التجمعات السكانية الفلسطينية في مناطق جغرافية محددة، وبعثرتها في مناطق أخرى، وأوجدت مستوطنات في عمق التجمعات الفلسطينية، ما خلق طبيعة جغرافية مشجعة لعلاقات تجارية غير قانونية بين تجار فلسطينيين وإسرائيليين تندرج في إطار الاقتصاد غير المنظم وغير المراقب، وهيأت المستوطنات لتكون بنية تحتية لهذه العلاقات، ما أوجد تجارة حدودية غير مراقبة. بمعنى آخر، نجد أن هناك لاعبين اقتصاديين فلسطينيين تأقلموا مع وجود هذا النظام الجغرافي المعقد، وطوروا مهارات عملية تتعلق بكيفية الاستفادة من ثغراته.
لم يعمل نظام العزل والمعابر التجارية الذي تفرضه إسرائيل على الإضرار بالاقتصاد الفلسطيني فقط، بل كانت له أيضا تبعات أخرى خطيرة تمثلت في التالي:
1. ظهور منتفعين وسماسرة ومهربين يمارسون أعمال "غير مشروعة" فاقمت من الأضرار التي يلحقها الاحتلال الإسرائيلي بالاقتصاد الفلسطيني، وضاعفت الآثار السلبية الناجمة عن نظام العزل الإسرائيلي. بحيث ساهمت جغرافيا الاستعمار في إنشاء شبكات مصالح اقتصادية مكونة من فلسطينيين وإسرائيليين (بمن في ذلك مستوطنون). هذا يعني، أنه على مستوى القاعدة فإن ثمة علاقات وطيدة بين فلسطينيين وإسرائيليين وهي علاقات قائمة بالسر أو بالعلن، لكنها بالطبع غير شرعية من الناحية الاقتصادية والسياسية، تعود بالنفع الكبير على المشاركين فيها، لكنها أيضا تعود بالضرر على خزينة السلطة الفلسطينية.
2. هذه العلاقات الفلسطينية - الإسرائيلية من شأنها أن تؤثر بشكل ملموس على طبيعة العلاقة السياسية والاقتصادية ما بين الطرفين بشكل يخرج عن سيطرة السلطات الحاكمة (السلطة الفلسطينية أو حكومة إسرائيل)، لا بد من الاهتمام بها عند التفكير باستراتيجيات اقتصادية مثل "فك الارتباط الاقتصادي" و"السيادة الفلسطينية". في قسم من هذه العلاقات الاقتصادية غير الشرعية، يقوم الفلسطينيون بالاعتماد على البنية التحتية للاحتلال باعتبارها بيئة تسمح بالتحايل وجني الأرباح.

السياسات والتدخلات المطلوبة
بناء على مخرجات الورقة الخلفية، واستنادا الى النقاش المثمر خلال جلسة الطاولة المستديرة، فلا بد من اقتراح مجموعة من السياسات والتدخلات من أجل السيطرة على هذه الظاهرة الأخذة في التفاقم لما لها من تبعات اقتصادية وسياسية لا يجب إغفالها. وفيما يلي أبرز هذه المقترحات:
1. إعادة النظر في قانون العقوبات الفلسطيني. في صيغته الحالية، فإن المخالفة في حالة التهريب قد تصل إلى عشرات قليلة من الدنانير والتي لا تشكل رادعا للتجارة غير الشرعية. إن إعادة النظر في القانون، وتوسيع صلاحياته وتطوير آلية التقاضي القانونية بشكل يضع بعين الاعتبار الحد من العبث بالاقتصاد الوطني من شأنه أن يساهم في الحد من هذه الظواهر.
2. تطوير جهاز الضابطة الجمركية وتوسيع صلاحياته. حاليا، جهاز الضابطة الجمركية يضم حوالي 1000 عسكري، قسم كبير منهم إداريون. كما أن ميزانيته السنوية، والموارد والتكنولوجيات الموضوعة بين يديه لا تسمح بتحمل مسؤولياته بشكل كامل فيما يخص حماية الاقتصاد الوطني والسيطرة على عمليات تهريب السلع.
3. إن الآلية الجديدة والتي من المتوقع من خلالها أن تتحول المقاصة إلى مقاصة إلكترونية قد تساهم في عرقلة بعض أنشطة التهريب لكنها لا تنهي الظاهرة. لكن من خلال الورقة الخلفية، اتضح أن سبب انتشار شبكات مصالح فلسطينية - إسرائيلية (بما يشمل مستوطنين) لا يكمن في نظام التقاص، وإنما في جغرافيا الاستعمار والتي يعرف خفاياها ويتأقلم معها باستمرار كل من التاجر الفلسطيني والإسرائيلي ما يسمح لهم بتطوير أسلوب عملهم. وعليه، قد لا يكون هناك بديل عن عمل الأجهزة في الميدان، وفي هذا السياق، لا بد من تفعيل دور الإدارة العامة للمعابر والحدود، الضابطة الجمركية وجهات الاختصاص الأخرى، خصوصا المجالس المحلية في مناطق "ج" بالإضافة إلى إطلاق حملة إعلامية وجماهيرية لتجريم هذه الأعمال.
* يصدر معهد أبحاث السياسات الاقتصادية الفلسطيني (ماس) بشكل دوري مجموعة من الدراسات التطبيقية والعلمية المفصلة، بالإضافة الى مجموعة من الأوراق المختصرة ضمن سلسلة سنوية لجلسات الطاولة المستديرة تتناول موضوعات حيوية ذات أبعاد اقتصادية تهم الجمهور وصناع القرار. لتعميم وتعظيم الاستفادة من هذه السلسلة ينشر هذا الملخص السياساتي لأبرز توصيات هذه الأنشطة العلمية الحوارية.
    

الأوسمة

نسخ الرابط:

error: المحتوى محمي , لفتح الرابط في تاب جديد الرجاء الضغط عليه مع زر CTRL أو COMMAND