المؤسسة الفلسطينية للتنمية الثقافية - نوى مؤسسة اهلية غير هادفة للربح مسجلة رسميا لدى وزارة الداخلية ووزارة الثقافة منذ عام 2004، وبدأت عمله

هنا القدس .... واستعادة النصوص البصيرة

حين يصير الحديث عن نكبة 1948 وعن أثرها الكبير على مختلف جوانب الحياة الفلسطينية، ينحرف القول في العادة إلى سياقات عمومية تطال قشرة الأشياء وتجهل التفاصيل، وتتسلح- مدعّمة بحجم الأسى الذي أحدثته النكبة وتنظير الخروج منها - بطوباويات الفعل "كان" الذي يبطّن طاقة سلبية تبدد ملكية الأرض في الحاضر حين تردها إلى الماضي. إلى ذلك، يشكل مشروع "هنا القدس"، الذي تضطلع به المؤسسة الفلسطينية للتنمية الثقافية "نوى"، انزياحا عن التعلل بالقشور، وتخصصا يقصي نفسه عن عموميات التباكي على أطلال الثقافة، وينبش الراقات الموسيقية الفلسطينية غير الشعبية، ويركز على تميزها ودوام قدرتها على التأثير في المشهد الثقافي الموسيقي العربي متلقيا ومنتجا.

استطاع عدد ملحوظ من الموسيقيين الفلسطينيين الذي شكّلوا طاقما مبدعا لإذاعة هنا القدس والشرق الأدنى في النصف الأول من القرن الماضي أن يؤثروا في المشهد الموسيقي العربي، وأن يستقطبوا كبار الفنانين العرب، وأن يقدموا لهم ألحانا ما زال العالم العربي يتغنى بها حتى اليوم. روحي الخماش ومحمد غازي ويحيى السعودي ويحيى اللبابيدي أسماء تستأهل أن تراجع وتدرس بعناية ممنهجة لغايات كشف وإبراز دور الموسيقيين الفلسطينيين الرواد في النهضة الموسيقية العربية وفي مركزية هذا الدور في تشكيل ملامح المشهد الموسيقي العربي أمس الآن وغدا.

كان إصدار ألبوم "هنا القدس 1" للفلسطيني روحي الخماش الذي عاش في العراق وشغله موسيقيا، فاتحة المشروع. وبإصدار هذا الألبوم تم إحياء وتوثيق عدد من القطع الموسيقية الآلية وعدد من الموشحات، ثم تبعه إصدار ألبوم "هنا القدس 2" لعميد المطربين في زمانه الفلسطيني محمد غازي. ضم ألبوم محمد غازي مجموعة أثيرة من الموشحات والقطع الغنائية التي وسّعت له حضورا ناتئا على الساحة الفنية الفلسطينية قبل الشتات وعلى الساحة اللبنانية/العربية بعده. كان محمد غازي في لبنان، كما الخماش في العراق، مرجعا فنيا في التراث الغنائي العربي، وكان حافظا للتراث الموسيقى/الغنائي الخاص بالقرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين، ومرجعا لموشحات وأدوار وقصائد الشيخ السيد الصفتي، والشيخ زكريا أحمد، ومحمد عثمان، والسيد درويش، وعبده الحمولي، وداوود حسني وغيرهم.

حقق الألبومان - وما سيتبعهما من ألبومات بالضرورة - مسعى المؤسسة الفلسطينية للتنمية الثقافية "نوى" لاسترجاع وتوثيق نصوصنا الموسيقية البصيرة وتوطينها في عاقلة الأجيال الحاضرة لأجل رفع ثقة هذه الأجيال بمرجعياتها الثقافية الموسيقية، وللشروع في ترميم المكتبة الموسيقية الفلسطينية ووضعها في واجهة المكتبة الموسيقية العربية والإنسانية. في تونس، بعد أن قامت فرقة نوى بعروض حية في محافظات الوطن الفلسطيني لمادة الألبومين، تصير فاتحة الترويج لرؤية المشروع ومادته في العالم العربي، ومنها تسعى المؤسسة لأن تنطلق إلى بلدان عربية نجزم أنها مهتمة بأعمال الموسيقيين الفلسطينيين العرب الذين أحدثت النكبة شتاتهم وأحدثوا بدورهم تأثيرا لا يمكن نكرانه على الساحة الموسيقية الفلسطينية من قبل والعربية عموما من بعد.

نوى والنصوص الموازية والمجاورة

إلى جانب مخططها لإصدار مجموعة من الألبومات التي توثق لأعمال موسيقيين فلسطينيين وضعوا العلامات الفارقة للموسيقى الفلسطينية والعربية قبل وبعد عام 1948، تقوم مؤسسة نوى - وبتوجيه من رؤيتها بأهمية تنمية الوعي العام بالثقافة الفلسطينية عموما وبشقها الموسيقي خصوصا - بمجموعة مجاورة من الأنشطة الرافدة لهمّها الرئيسي الخاص بجمع تراث الموسيقيين الفلسطينيين. تقوم المؤسسة، وبشكل دوري، بجملة من الأنشطة التي تسهم في رفع درجة الوعي والذائقة بين الشباب الفلسطيني، ومن هذه الأنشطة عقدُ محاضرات متخصصة، وعرضُ سلسلة أفلام تختص بالموسيقى والموسيقيين الفلسطينيين، وأنشطة أخرى موسيقية وثقافية. أحدثت مثل هذه الأنشطة، وبشكل ملحوظ، إثارات إيجابية على الساحة الفنية الموسيقية، وشكلت مدماكا حاضرا من تاريخنا الموسيقي الحافل بتنوير قد نكون بحاجة ماسة إليه الآن.