"الاتفاقيات الإبراهيمية": من المعونة الدولية للاستثمار الخاص | سمارت إندكس

أخبار

أخبار اقتصادية محلية

"الاتفاقيات الإبراهيمية": من المعونة الدولية للاستثمار الخاص



رام الله - سمارت إندكس

بعد عام ونصف من توقيع ما يعرف بالاتفاقيات الإبراهيمية، تعمل إسرائيل ودول عربية (خاصة دولة الإمارات المتحدة والبحرين والمغرب)، على تطوير علاقاتها الاقتصادية والعسكرية. وعلى مدار الثمانية عشر شهراً الماضية، وسعت إسرائيل علاقاتها التجارية بشكل كبير مع بعضها، بينما عززت أيضاً التعاون في قطاعَي التكنولوجيا العسكرية والأمن السيبراني، بما يتجاوز "التطبيع الدبلوماسي" الاعتيادي باتجاه "شراكة إستراتيجية" من شأنها تغيير التوازنات التاريخية في المنطقة. أخيراً صادقت حكومة الاحتلال الشهر الماضي على تسريع تنفيذ مشروع "بوابة الأردن" للمنطقة الصناعية المشتركة بين عمّان وتل أبيب. صرح وزير التعاون الإقليمي الإسرائيلي عيساوي فريج، في وسائل إعلام عبرية أن هذا المشروع سيحوّل ميناء حيفا إلى ميناء رئيسي في المنطقة. أمضت الولايات المتحدة عقودا في المساعدة في التوسط في تحالفات جديدة بين إسرائيل والدول العربية. وها هي واشنطن تشهد الآن تحولات عميقة في الشرق الأوسط.
أصدر معهد أبحاث السياسات الاقتصادية الفلسطيني (ماس) قبل عدة أشهر "تقرير آفاق التنمية في فلسطين" تناول فيه مجمل التحديات الاقتصادية والاجتماعية في سياق بيئة سياسية إقليمية ودولية غير مشجعة لتحقيق الحقوق الفلسطينية المشروعة، وقدم التقرير تحليلاً للسيناريوهات السياسية المحتملة التي من شأنها إعاقة أو تسريع عملية التحول الاقتصادي والاجتماعي والديمقراطي للفلسطينيين، بما فيها التوجه نحو التعبئة الجمعية الفلسطينية الواسعة المطالبة بالحقوق الجماعية والفردية المتنكر لها. من وجهة نظر فلسطينية، هناك أيضاً سيناريو لا يمكن إغفاله نظراً لتزايد انشغال المانحين في قضايا تعتبرها أهم وأقرب، والتحولات في المشهد السياسي الإقليمي، يتصف هنا "بالتحول من المعونات إلى الاستثمار" كإستراتيجية للحفاظ على سبل العيش الفلسطينية في غياب حل سياسي عادل.

التحدي
نوقشت منذ بعض الوقت مسألة استخدام المساعدات والاستثمارات لتطوير أنشطة إسرائيلية فلسطينية مشتركة باعتبارها استراتيجية "لبناء الثقة" يمكن أن تقلل من احتمال وقوع أعمال عنف. كما أنها إستراتيجية أقل كلفة للحفاظ على سبل العيش الفلسطينية مقارنة بالإستراتيجية التي تعتمد على المساعدات فقط. ينسجم هذه التوجه مع التراجع عن المساعدات الإنمائية الرسمية التي تتحدى بشكل متزايد مبادئ وإطار العلاقات الاقتصادية التقليدية بين الشمال والجنوب في مرحلة ما بعد الاستعمار. في هذا السياق، سعت "الاتفاقات الإبراهيمية" لعام 2020 إلى تطبيع العلاقات بين إسرائيل وعدة بلدان عربية، ما يزيد من احتمال الاستثمار في إسرائيل و/أو فلسطين من جانب دول الخليج العربية، وغيرها من الدول التي لم تكن لديها أي علاقات علنية مع دولة إسرائيل منذ إقامتها في 1948.
يخلق هذا السيناريو مخاطر جديدة للفلسطينيين، لا بد من التعامل معها بما يحولها للمصلحة الفلسطينية. فالاستثمارات في مناطق معزولة تشكل مخاطر من خلال إضعاف فرص العمل الجماعي والحد من القوة النسبية للمنظمات الفلسطينية. لكن هذه الاستثمارات يمكن أن تخلق أيضاً فرصاً لإقامة روابط خلفية وأمامية يمكنها، إذا استغلت بطريقة سليمة، أن تعزز القوة التنظيمية الفلسطينية وتقوي المطالبات بالحقوق والقدرات الفردية. كما أن استغلال هذه الفرص يتطلب استخدام المعونات بحكمة للاستثمار في المهارات والقدرات التي ترتبط بالاستثمارات المحتملة التي يرجح قدومها، مع عدم السماح لقوى السوق ورأس المال بإملاء النتاجات السياسية. إن مدى قدرة الفلسطينيين على استغلال مثل هذه الفرص المحتملة مع تخفيف المخاطر سيحدد فرصهم في المساومة الفعالة على الحقوق الفردية والوطنية.
قبل "هبة الوحدة" العام 2021 التي شاركت فيها كافة فئات الشعب الفلسطيني، لم تكن الخيارات التي تم تقييمها في تقرير آفاق التنمية مطروحة بشكل جدي، ولم يكن تأثير أربع سنوات من السياسة الأميركية العدائية تجاه فلسطين قد انقلب بعد. لقد حاولت إدارة ترامب كسر الجمود في مفاوضات السلام في الشرق الأوسط، والذي عزته إلى تعنت الفلسطينيين وعدم رغبتهم في التوصل إلى حل وسط. قبل ترامب تماماً موقف الصقور الإسرائيليين مثل نتنياهو، الذين سعوا منذ فترة طويلة إلى استبدال شعار "الأرض مقابل السلام" بشعار "السلام مقابل السلام" الأقل إشكالية بكثير. جادل البعض في أنه ليس لدى الفلسطينيين الكثير ليكسبوه من خلال التمسك بإقامة الدولة على أراضٍ متصلة جغرافياً، وهو ما لم يعد معروضاً على أي حال. بل سوف يكسبون المزيد من خلال الدخول في تبادلات اقتصادية مع إسرائيل والعالم الخارجي، مع التمتع بحكم ذاتي محدود في مناطق متفرقة.
لحث الفلسطينيين على قبول النموذج الجديد، سعت إدارة ترامب إلى تطبيع العلاقات بين إسرائيل وعدة دول عربية. كان من المتوقع أن يؤدي التطبيع إلى الضغط على الفلسطينيين "من الخارج إلى الداخل"، على افتراض أن قدرتهم على المساومة مع إسرائيل ستنخفض أكثر بسبب انخفاض الدعم المقدم من البلدان العربية. وهو ما تجلى بوضوح في الانخفاض الحاد في حجم المساعدات الرسمية العربية إلى السلطة الوطنية الفلسطينية في السنوات القليلة الأخيرة. كما أنه يتم الترويج أن هذا التوجه سيخلق فرصاً للاستفادة من الاستثمارات العربية- الإسرائيلية المشتركة التي قد تعقب ذلك، وقد يميل المزيد من الفلسطينيين رواد المشاريع إلى الاستفادة من هذه الاستثمارات إذا قبلوا بالشروط الجديدة للسلام. من بين الدول العربية التي أشركها ترامب، كانت الإمارات العربية المتحدة هي الأكثر أهمية، نظراً لمواردها الاقتصادية ورغبتها الخاصة في الانخراط في استثمارات مشتركة مع إسرائيل من أجل الوصول إلى التكنولوجيات التي يمكن أن تمنحها ميزة في منافستها الإقليمية مع إيران.
كانت النتيجة في أواخر العام 2020 هي الاتفاقات الإبراهيمية التي كثر الترويج لها، وباركت إدارة الرئيس الأميركي بايدن المضي قدماً في توسيع دائرتها في اجتماع في النقب العام 2021. كشفت الاتفاقات عن تغييرات في المصالح والتصورات الأساسية، سواءً في إسرائيل أو في العديد من البلدان المهمة التي تقدم الدعم الخارجي للفلسطينيين. مع ذلك، فإن الدوافع الكامنة وراء الاتفاقات قد تؤثر على كيفية تطور المعونة والاستثمارات في المستقبل. تشمل هذه الدوافع التصور السائد في بعض الدول العربية والخليجية بأن التطبيع سيسمح لها بتحقيق أهدافها الوطنية بدعم من الولايات المتحدة، بما في ذلك الوصول إلى التكنولوجيات الإسرائيلية، وتحسين قدرتها على مواجهة إيران، أو أهداف أخرى. هذه الحسابات المحددة ذاتها قد تتغير بمرور الوقت.
لكن بالإضافة إلى ذلك، كانت الاتفاقات مدفوعة بتصور متزايد داخل الولايات المتحدة بأن عملية السلام قد وصلت إلى طريق مسدود. لم يكن هذا التصور خاطئاً وهو يتماشى مع تحليلنا لتوزيع القوة على أرض الواقع. لكن التصور مع ذلك مخطئ في الاعتقاد بأنه إذا كان من الممكن ممارسة المزيد من الضغوط على الفلسطينيين لقبول دولة افتراضية «ذات حدود مؤقتة» وحقوق محدودة، فإن هذه الإستراتيجية ستكون مستدامة بكل الأحوال. الواقع أن فلسطين جديرة بالإشارة بحق لكون الرئيس عباس هو الزعيم العربي الوحيد الذي قاوم علناً، ولسنوات، عقيدة ترامب ودفع الثمن. مع ذلك، ونظراً لمأزق عملية أوسلو، من المفهوم رؤية واشنطن بأن المساعدات الأميركية لفلسطين مرتفعة بشكل غير مبرر بالنظر إلى قلة ما حققته. في الوقت الذي تواجه فيه الولايات المتحدة مطالب بزيادة الاستثمار المحلي في التصنيع والبنية الأساسية، وتواجه تحديات من الصين، تزداد صعوبة تبرير المساعدات المقدمة لعملية السلام التي لا تقود إلى أي مكان. نفس هذا التطور جارٍ في بروكسل، حيث يتوجه الاتحاد الأوروبي إلى تحويل المزيد من معونته الإنمائية لفلسطين للتمويل الائتماني (القروض)، وليس من المستغرب أن يظهر أيضاً في إدارة بايدن الحالية عدم الرغبة في الانخراط أو الالتزام برأس مال سياسي أو موارد دبلوماسية كبيرة لصالح عملية السلام في الشرق الأوسط.

الاستجابة السياساتية
نظراً للمنافسة المتزايدة على الموارد المحلية داخل البلدان المتقدمة، فمن المرجح أن المانحين الغربيين، وخاصة الولايات المتحدة، سيرغبون في خفض المساعدات بالقيمة الحقيقية بمرور الوقت. في فلسطين، يعني ذلك أنهم سيميلون إلى دعم تدفقات الاستثمار كآلية بديلة لتمويل سبل كسب العيش الفلسطينية، ولو للحد من الاعتماد على التدفق الدائم للمساعدات. قد طرح مفهوم «ما بعد المعونة» بالفعل في السياق الفلسطيني في العقد الماضي، وكثيراً ما يشار إلى «إعياء المانحين» في السياق الفلسطيني (مع أنه نادراً ما يتم الاعتراف بالجانب الفلسطيني من إعياء المانحين). بهذا المعنى، تشير الاتفاقات الإبراهيمية إلى ديناميات أعمق يحتاج الفلسطينيون إلى أخذها في الاعتبار أثناء نضالهم من أجل حقوقهم. إذا أصبحت الاستثمارات أكثر أهمية كوسيلة لدعم سبل العيش، سيكون من المهم ضمان أن يستفيد أوسع نطاق من الفلسطينيين من فرص العمل والاستثمار المرتبطة بهذه الاستثمارات، وتشجيع الروابط الخلفية والأمامية في مناطق الاستثمار. هذا ليس فقط لتعزيز فرص العمل والرفاه، بل أيضاً لضمان أن تتعزز القوة التنظيمية الفلسطينية بدلاً من أن تتقلص نتيجة لهذه الاستثمارات.
دون وجود استراتيجية فلسطينية نشطة لتطوير روابط خلفية وأمامية مع الاستثمارات المحتملة، من المرجح أن تكون النتيجة إنشاء جيوب للنشاط تزيد من عزلة الفلسطينيين وتقسيمهم. إذا حدث ذلك، فإن الاستثمارات الخارجية التي تحابي السوق الحرة على حساب السوق الاجتماعية قد تضعف العمل الجماعي للفلسطينيين وتجعل إدارة المطالب الفلسطينية بالحقوق أقل إلحاحاً. في الواقع، ستكون النتيجة توزيعاً أكثر سلبية للقوة بين الإسرائيليين والفلسطينيين من خلال زيادة تفتيت الروابط بين مصالح الأعمال الفلسطينية.
على النقيض من ذلك، إذا تمكنت المؤسسات الفلسطينية من توقع وصول تدفق استثمارات محددة إلى مناطق محددة واتخاذ خطوات لدعم الروابط الخلفية والأمامية عن طريق التخطيط لتطوير المهارات وبرامج التدريب على تنظيم المشاريع، فقد تكون النتيجة عكس ذلك تماماً. يمكن للاستثمارات الخارجية عندئذ أن تدفع إلى إنشاء اقتصاد فلسطيني أكثر تكاملاً وأن تعزز قدرة المساومة لدى مصالح الأعمال والقوى العاملة والمنظمات السياسية الفلسطينية.
في إطار التحضير لهذه الفرص، يمكن للمعونة أن تؤدي دوراً حاسماً في تيسير تنمية المهارات الفلسطينية وقدرات تنظيم المشاريع المطلوبة لتحقيق أقصى زيادة في فرص إقامة الروابط الخلفية والأمامية مع أنواع محددة من الاستثمارات الخارجية. سيكون من المهم للمؤسسات الفلسطينية وشركاء التنمية الداعمين لتقوية الحقوق وسبل العيش الفلسطينية أن يرصدوا وضع خطط الاستثمار الناشئة، ويخططوا لضمان دعمها للتطلعات الفلسطينية للحقوق بدلاً من تقييدها لها.

الأوسمة

نسخ الرابط:

error: المحتوى محمي , لفتح الرابط في تاب جديد الرجاء الضغط عليه مع زر CTRL أو COMMAND